
المرأة السورية بين التحديات والتضحيات… سيدات سوريات يؤسسن مشاريعهن الخاصة لإعالة عائلاتهن
عاشت المرأة في سورية وضعًا مأساويًا في الأعوام الماضية وما زالت تعيشه بتحديات أكبر. فُقتل الكثير من الرجال أو أصيبوا أو اختطفوا أو احتُجزوا أو أُصيبوا بإعاقات، وأصبحت المرأة المسؤولة الوحيدة عن إعالة الأسرة، بالإضافة إلى دورها الذي كانت تمارسه سابقًا كربة منزل أو موظفة في قطاع ما. وفي لحظة خاطفة أصبحت تحمل كل الأعباء، إضافة إلى تحديات النزوح واللجوء والشتات وفقدان الأهل والأصحاب، وما فرضه مجتمع اللجوء من تحديات لم تكن في الموطن الأساسي من اللغة والواقع الاجتماعي.
ولقد ساهمت المرأة بشكل أساسي في الأنشطة الزراعية والاقتصادية الريفية، وقد قامت بدور مهم في العمل كمزارعة ومربية أغنام وأبقار ودواجن، والاهتمام بجني المحاصيل الزراعية، والعمل في تسويق منتجاتها، كما تم تشجيع وتدريب المرأة على تأسيس المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة المدرة للدخل وكيفية إدارتها والاستفادة منها، وكذلك دعم المرأة في تسويق منتجاتها الزراعية والحيوانية والصناعية بشكل مربح.
محاسن إبراهيم أم ومعيلة لأسرة ومعها العديد من النساء العاملات في مشروعها الأسري، كل منهن معيلة لأسرتها. بعد وفاة زوجها تأملت محاسن إبراهيم في أطفالها اليتامى الثلاثة، قبل أن تعزم على تأسيس مشروع اقتصادي يحفظ كرامة العائلة ويصونها.
خمس سنوات من البحث والمتابعة نجحت بعدها محاسن إبراهيم في تأسيس مشروع لإنتاج السماد العضوي من الديدان في أرضها بقرية الصويري في ريف حمص الغربي.
وأكدت محاسن أنها بعد وفاة زوجها قررت البحث عن مشروع يكفي عائلتها المكونة من ثلاثة أطفال، فاستعادت ولعها القديم بالزراعة وحبها للأرض ورغبتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضار والفواكه، مشددة على فكرة أنها خططت لمشروع يكون ضمن أرضها في القرية. لكن المشكلة كانت في فقر التربة بالعناصر الغذائية اللازمة، في الوقت الذي لم ترق لها فيه فكرة استعمال السماد الكيماوي. فعكفت على الإنترنت تبحث فيه وتطيل في البحث عن أفضل طرق التسميد الطبيعي، فقادها سعدها إلى الالتقاء بمزارع من ريف دمشق أحضر لها دود السماد لإنتاج السماد الطبيعي للمزروعات. فضلاً عن أنها كانت قد تفاجأت بأنها موجودة في مزارع ضخمة في الدول العربية المحيطة كالعراق ومصر وهي تُصدر لكل دول العالم. فتبلورت عند ذلك فكرتها في تأسيس مشروع لدود السماد أو ما يُعرف بالـ”فيرمي كمبوست”.
تقول إبراهيم: من حديقة منزلي بدأت بكميات قليلة لكتلة دود مستوردة من نوع “إيزينيا فيتيدا” (ريد ويجلر + تايغر)، وهي إحدى أنواع ديدان الأرض الستة المعترف بها عالميًا لإنتاج الفيرمي كومبوست.
وعن مبدأ العمل تقول إبراهيم: نقدم المخلفات الطبيعية من أوراق الأشجار والنباتات وروث الحيوانات العاشبة من أبقار وأغنام وأرانب وماعز وبقايا الخضار والفواكه كغذاء لهذه الديدان، تأكله وتضيف له من عصارتها الهاضمة أحماض وإنزيمات وتخرجه على شكل حبيبات سمادية تحوي كل العناصر المغذية للنبات.
بدأت بهذه التجربة وأنتجت الكميات الأولى من السماد وزرعت فيها نباتاتي من خضار وزهور وسمدت أشجار حديقتي، وكانت نتائج ممتازة من حيث الاستنبات والتجذير وسرعة النمو ومقاومة الأمراض وجودة الثمار.
قمت بالعمل على تكاثر هذه الديدان لأحصل على كميات أكبر، ونجح الأمر ووصلت لإنتاج عشرات الأطنان كل عام من هذا السماد. واليوم أنا أشرف على عدد كبير من مزارع تربية الدود حيث قدمت لهم كل المعلومات التي جمعتها، وقدمتها للجامعات والمعاهد مجانًا لتتحول لقصة نجاح يتناقلها المزارعون والمهتمون، وساعدت المئات من الأفراد والأُسر التي طلبت تنفيذ المشروع في كل المحافظات.
وكان لمبادرة المشاريع الأسرية دور كبير في انتشار التجربة، حيث خصصنا مجموعة واتساب جمعنا بها كل المهتمين لنشر وتبادل الخبرات بهذا المجال.
اليوم المئات من الأسر الريفية بكل المحافظات تنتج هذا السماد لتغذي مزروعاتهم، والعديد من النساء في حمص. تقول إبراهيم: أنا وهذه الأسر نواجه صعوبات في تطوير مشاريعنا من حيث تأمين المواد من غربال وفرّامة وتأمين وتراخيص لتطوير مشاريعنا. نأمل من الحكومة والمنظمات الدعم المادي والاهتمام لهذا المشروع، لما له من أهمية في التخلص من النفايات وتحويلها لسماد، وتأمين منتج زراعي صحي.
وختمت إبراهيم حوارها معنا بالتأكيد على دور المرأة الأساسي لبناء الأسرة، وخاصة في ظروفنا الحالية، فالمرأة هي أم وعاملة منتجة بنفس الوقت.
ختامًا
لابد من القول إنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سورية بشكل خاص والعالم بشكل عام، ومحدودية فرص العمل أو قلة وفر الخيارات، بقيت المرأة تكافح وتناضل رغم الحياة التي حطت على كاهلها، وهذا يُحتم علينا واجبات كثيرة تجاه الصمود الكبير والتضحيات الكبيرة التي قدمتها.
بقلم ميس خليل