التماسك المجتمعي

رغم كل ما شهدته سوريا من ويلات الحرب والنزوح، بقي التماسك المجتمعي إحدى السمات العميقة المتجذّرة في بنية المجتمع السوري، تلك التي حفظت البلاد من الانهيار التام، وأسهمت في استمرار الحياة وسط الركام.
التماسك هنا لا يُقاس فقط بالبنى التقليدية كالعائلة أو العشيرة، بل يتجلى في روح التكافل الشعبي، واستمرار مؤسسات المجتمع الأهلي، وتمسّك الناس بروابطهم القيمية والاجتماعية رغم التشرذم والشتات.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبته المرأة السورية، لا كمجرّد ضحية للحرب، بل كفاعل مركزي في حماية النسيج المجتمعي.
فالمرأة، التي دفعت أثمانًا باهظة من الفقد والنزوح والحرمان، تحوّلت إلى ركيزة في إعادة ترتيب الحياة اليومية.
في المدن والقرى، وفي المخيمات ومنافي اللجوء، حملت النساء على عاتقهن مسؤوليات معيشية وتربوية ونفسية لم تكن سابقًا منوطة بهن بهذا الشكل الكثيف.
ومن رحم الأزمة، خرجت مبادرات نسائية رائدة في مجال التعليم، الدعم النفسي، والمساعدة الإغاثية.
كثير من النساء فتحن منازلهن كمراكز دعم مجتمعي، أو أسّسن مشاريع صغيرة تؤمن مصدر دخل للعائلات.
وفي البيئات التي تفككت فيها المرجعيات الاجتماعية التقليدية، كانت النساء – بخبرتهن في إدارة العلاقات وبناء الجسور – عنصر تهدئة وحوار، يرمّمن ما تكسّر في جسد الوطن.
فقد ذكرت الأستاذة صفاء طه المديرة التنفيذية لمنظمة نساء للسلام دور النساء السوريات بتعزيز فكرة التماسك المجتمعي:” التماسك المجتمعي هو أن تعيش الناس مع بعضها بغض النظر عن اختلاف الدين والعرق أو الرأي، التماسك هو أن يهتم الجار بجاره وأن يحتفلوا مع بعضهم ويحزنوا مع بعض
هنا ستلتئم الجراح وعندما يكون هناك تماسك حقيقي سيكون المجتمع أقوى ومشاكله أقل ولا يوجد تهميش لأي طرف لأي شخص، لكل إنسان له دوره وقسمته.
والحوار والاحترام هما الأساس ومن دونهما سيحدث شرخ كبير جداً، والتماسك هو وضع الأيادي ببعضها ولمة الأفراد على فعل الخير وكأنها شخص واحد لبناء مستقبل جميل للجميع”
ورغم تهميش أصوات النساء في كثير من مواقع القرار، فإن حضورهن في العمل المدني والسياسي أخذ يتزايد، لا سيما في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث شاركت المرأة في المجالس المحلية، وأدارت مؤسسات، وساهمت في طرح نموذج جديد للتمثيل والمساواة.
لتكمل صفاء طه قولها بهذا الخصوص لتقول:” واجبنا كمجتمع مدني هو دعم المجتمع ودعم تماسكه وبناء لحمة وطنية حقيقية ثابتة، فعلى سبيل المثال بادرت المنظمات والجمعيات النسوية بالقيام بعدة نشاطات ومشاريع، وهي الحماية ودمج الأطفال النازحين والمقيمين ودمجهم بالمجتمعات التي ترفض اختلافهم، وتدريب نساء على التيسير والحماية وآلياتها وتوعية الأمهات بكل تفاصيل الحياة المنزلية والمهنية.
وقامت نساء سوريات كثيرة وأنا من ضمنهن بمشاريع تماسك مجتمعي، تعزز بناء قدرات النساء على الوساطة ولعب دورهن بشكل فعلي بالوساطة والتفاوض وتم الخروج بمبادرات ومشاريع كانت ناجحة جداً وتصب بمصلحة بناء مجتمع سليم ومتماسك.”
إن التماسك المجتمعي في سوريا اليوم ليس معطى ثابتًا، بل هو نتاج تفاعل مستمر بين القوى الاجتماعية، وعلى رأسها النساء، اللواتي أعدن تعريف أدوارهن، وتجاوزن الصور النمطية، ليكنّ عامل استقرار وبناء، لا فقط عنصر نجاة.
وربما في هذه التجربة المريرة، يكمن الأمل، بأن مستقبل سوريا ستحرسه نساؤها، بوعيهن، وصلابتهن، وقدرتهن على نسج خيوط الوحدة وسط العواصف، والاستفادة من التجارب السابقة بتجنب الأخطاء المحتملة وتجنب ما قد يشتت المجتمع ويزرع الفتنة في داخله أو بجعله مجتمعاً متعافٍ من كل الأمراض التي تحول دون تمسكه وتعافيه.
#مجلس_المرأة_السورية.
#مقالة.
#هناء_الراعي.