الذات الفاعلة لمواجهة أخطر اشكال التمييز

بالرغم من المستوى المتطور والمتقدم الذي توصل إليه العلم والتقنية في القرن الواحد والعشرين، إلا أن معاناة الناس تزداد مع تزايد الآفات والظواهر التي تضر بالمجتمع وتنخر في جسده،
فما زالت هناك العديد من العادات والتقاليد التي تُسمم وتضعف جسد المجتمعات التي تحافظ على كينونتها، ومن الصعب التعافي منها لأنها نابعة من ذهنيات قروسطية قدرية ودوغمائية تُفرز مجتمعاً هشاً يعيق تطوره.
ظاهرة التمييز من أخطر الظواهر الاجتماعية ولها أشكال متعددة منها:
التمييز الجنسوي، العرقي والطائفي تجمعها نقطة التقاء مركزية واحدة وهي تهميش وإقصاء الآخر، والتقليل من قيمته المادية والمعنوية، ومنح الأفضلية لفئة معينة غير متكافئة، ابتداءً من الأفراد ووصولاً إلى الطوائف والقوميات، ويُمارس بشكل فاضح وملموس في مختلف المحافل والأطر السياسية والقانونية، مما يؤدي إلى تهميش غالبية فئات المجتمع.
ومن أخطر أشكال التمييز المستمرة حتى اليوم هو التمييز ضد المرأة، ويخرج من صلبه تمييز آخر أكثر خطورة، ألا وهو تمييز المرأة ضد المرأة (من نفس الجنس)، رغم أنه من المفترض أن يجمعهن معترك واحد وهدف مشترك، وهو مناهضة الذهنيات الذكورية السلطوية التي تسعى لتقييد طاقات المرأة الفكرية والجسدية وتسخيرها لأجنداتها.
فالتمييز بين النساء يضعف نضال المرأة، ويهمش دورها في إحياء القيم السامية التي حملتها عبر التاريخ، ويُبعدها عن الوصول إلى المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار في مختلف مجالات الحياة، وهكذا تتألم المرأة من سهام المرأة التائهة التي تعيش عبودية مقنعة وهي تظن أنها متحررة، أكثر مما تتألم من السهام الموجهة لها من قوى سلطوية خارجية.
المطلوب لتجاوز ظاهرة التمييز
مناهضة العنف أو التمييز و لن تتحقق ما لم تتحرر المرأة من الجمود الفكري والروحي الذي يولد الغيرة والحقد ويقود إلى تبني مفاهيم سلطوية بعيدة عن خصوصيتها العاطفية والسلمية.
فالمرأة إذا افتقدت الوعي فإنها ستساهم بشكل غير مباشر في تفكيك مجتمع النساء وبالتالي تفكيك المجتمع بأسره.
إذاً فقضية التمييز الجنسوي لا تخص المرأة وحدها بل تخص المجتمع بكامله، فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون تحرر المرأة من القيود الفكرية الصلبة، وعليه من الضروري أن تبدأ المرأة بالتعرف إلى تاريخها العظيم وإدراك قوتها وعزيمتها لبناء أساس مجتمع متحرر ذهنياً، وأن تتجه بخطوات حثيثة نحو الحرية وهذا يتطلب وحدة النساء من مختلف المكونات والطوائف وتضافر جهودهن لضمان فعالية دورهن الريادي في تطوير المجتمع والنهوض به نحو مستقبل مشرق.
الخطوة الأساسية المطلوبة من المرأة عامةً هي التخلص من شوائب السلطة والذكورية، والبدء من الذات الفاعلة والوعي الفكري والفردي، مع تربية الأطفال وفق الأخلاق الإنسانية والمساواة، والسعي لسن قوانين تضمن حقوقها وتُثبت ضمن عقد اجتماعي ودستور ديمقراطي راسخ، وعبر اتباع سياسة عادلة قائمة على التناغم والتناسق بين قيم المساواة والتمكين، يمكن بناء مجتمع أكثر عدالة واستقرار، يرسخ قيم السلام المستدام.
فتمكين المرأة وضمان حقوقها يشكلان جزءاً أساسياً من دورها المقدام في المجتمع، ويفتحان آفاقاً جديدة في الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد، ويُغنيان الحياة برؤى متعددة ومختلفة.
هكذا ترسم المرأة خارطة حريتها وفق يوتوبيا بناء مجتمع أخلاقي وسياسي وإيكولوجي متحرر جنسوياً.
#مقالة
#ليلى خالد
5-9-2025
#مجلس المرأة السورية